03 أغسطس 2022

الأزمات الاقتصادية .. وفك الإرتباط بـ " الدولار "


القاهرة – أ.ق.ت – فادى لبيب : 
تعالت الأصوات هنا وهناك وعلى مدار سنوات طويلة تطالب بضرورة " فك الإرتباط مع الدولار " ..  كل من هذه الآراء له ما يٌبرره ، فهناك من يُطالب بذلك لأسباب تتعلق بـ ( أسعار الصرف أو أسعار الفائدة ) أو بالتبعية للأزمات الاقتصادية التى يكون فيها الدولار لاعب رئيسى .. وفى نفس الوقت هناك من يرى أن فك هذا الإرتباط يصعب تنفيذه على أرض الواقع فى الأونة الحالية وخصة بالنسبة للدول التى يرتبط اقتصادها بشكل أساسى بالطاقة والنفط ..


الدولار .. والتبادل التجارى العالمى

من جانبه يرى الدكتور فرج عبد الله أستاذ الاقتصاد وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع ، أن النظام النقدى العالمى يعتمد بشكل أساسى على الدولار ، مشيراً إلى أن الدولار وهو المسيطر على حجم التبادل التجارى العالمى، وبالتالى فإن ربط الدولار بالنفط والطاقة عملية جوهرية في تحديد هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمى ، مؤكداً أن  فك الارتباط ما بين الدولار والتجارة الدولية،قد يجدث ولكن فى مرحلة ثالثة إذا تصاعدت الحدة بين الولايات المتحدة والصين.

 

من ناحية أخرى ، توقع محمد عبد الوهاب، المحلل الاقتصادي والمستشار المالي للاتحاد العربي للتطوير والتنمية التابع لمجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، أن يرفع البنك المركزي الأمريكي، خلال اجتماعه الخامس هذا العام، أسعار الفائدة للمرة الرابعة على التوالي  بمقدر 75 نقطة أساس ..

 

وأشار " عبد الوهاب  " أنه من المتوقع أن تصل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية بنهاية العام الجاري إلى 3.5%، في محاولة من الفيدرالي الأمريكي لكبح جماح التضخم المتزايد الذي وصل إلى أعلى مستوياته في أكثر من 40 عاما خلال يونيو الماضي عند مستوى 9.1% مقابل 8.8% في مايو.

 

وأوضح أن ذلك سيزيد من قوة الدولار أمام العملات الأخرى وبالتالي يؤثر على الأسواق الأوروبية والاسواق الناشئة إلى حد كبير ،وهوما سيزيد من تفاقم الأزمة العالمية الحالية، ويدفع العديد من البنوك المركزية في منطقة الشرق الأوسط إلى زيادة أسعار الفائدة، وهو ما يؤثر على الاستثمار بجانب رفع فاتورة الدين الحكومي في تلك الدول.

 

ضرورة فك الارتباط بـ " الدولار "

ولفت إلى أن فك الارتباط بين الاقتصاد العالمي والدولار أصبح ضرورة ملحة لانقاذ الاقتصاد من السيطرة الأمريكية التى لاترى سوى مصلحتها الشخصية ومصلحة اقتصادها دون النظر للعالم خارج حدود أمريكا، وأثبتت كافة الأزمات المالية العالمية التى حدثت خلال المائة عام الماضية أن أمريكا كنت ضلع أساسي في كافة الازمات بقراراتها المنفردة التي لا تحقق سوى مصلحتها الشخصية.

 

ودعا المستشار المالي للاتحاد العربي للتطوير والتنمية، إلى ايجاد ألية اقتصادية جديدة تضمن فك الارتباط بأي عملة رئيسية مثل الدولار وترتبط بقيمة السلعة نفسها.

 

ونوه بأن الاقتصاد العالمى مر عبر تاريخه بالعديد من الأزمات الكبرى و أشهر تلك الأزمات الاقتصادية هى الأزمة التى حدثت فى  القرن العشرين وهو ما عرف بالثلاثاء الأسود 29 أكتوبر1929، وهي الأزمة التى عرفت  بالكساد الكبير، والتي أثرت في اقتصاديات مختلف الدول، وكانت لها أثار كارثية على  أسواق الأسهم و التجارة العالمية حيث بلغت خسارة المستثمرين في السوق نحو 200 مليون دولار، وأفلاس أكثر من  3500 بنك في يوم واحد، تزايد العدد ليتخطى 10آلاف بنك فى نهاية 1939، واستمرت أثارها  حتى بداية الأربعينيات.

 

أمريكا .. والأزمات الاقتصادية

ولفت إلى أن الولايات المتحده تعاملت في هذه الأزمة بفردية كبيرة، حيث نظرت فقط إلى مصلحتها الشخصية بغض النظر عم ماقد يصيب الاقتصاد العالمي، حيث قامت  بعملية تدويل للأزمة، وسحبت الودائع الأمريكية من البنوك العالمية وتحديدًا من دول أوروبا حتى تستطيع  توفير السيولة لتحريك الأسواق، وهو ما نجح في أحداث  انفراجة داخل أمريكا، ولكنه تسبب أيضًا في  نقل الأزمة إلى الدول الأخرى مثل  بريطانيا وألمانيا وفرنسا حتى فقدت أكثر من 20 دولة المقدرة على  سداد التزاماتها  الخارجية.

 

وتابع المحلل الاقتصادي والمستشار المالي للاتحاد العربي للتطوير والتنمية التابع لمجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، قائلاً : " مرة أخرى تلعب الولايات المتحده لصالح إقتصادها بغض النظر عن العالم وهو ماحدث جليا فى أزمة الطاقة مابين  1973 و1974 حيث سجل الإقتصاد العالمى  واحد من أسوأ أزماته الاقتصادىة نتيجة  أزمة النفط عام 1973 والتى  استمرت أثارهذه الأزمة حتى عام 1985، وكعادة الولايات المتحده خرجت هى الفائز الوحيد من تلك الأزمة بعد فك إرتباط الدولار بالذهب وربطة بالدولار فى واحدة من أكبر المصائب التى ضربت الإقتصاد العالمى عبر تاريخة حيث أصبح مرهون  بقيمة الدولار ، وربطت معظم الدول عملتها بالدولار كعملة رئيسية وهو سبب لكل الكوارث التي حلت بالاقتصاد العالمي حتى الآن".


فك ارتباط الدينار الأردني بالدولار خيار مطروح

 وقال الخبير والمحلل الاقتصادي الأردنى أيمن العدينات، إن فك ارتباط الدينار الأردني بالدولار الأمريكي خيار مطروح على الساحة، إلا أنه في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها الاقتصاد الوطني، سيكون فك الارتباط " صعب جدًا "، ويحمل الكثير من الآثار السلبية، مشيراً إلى أن أي قرار لفك الارتباط سيعرض المملكة إلى تقلبات كبيرة جدًا تتعلق بالتنافسية وارتفاع كلف التمويل، بالإضافة إلى تأثير ذلك على العملة والدينار.


التجربة العربية الخليجية مع " الدولار " 

وكان الدكتور جاسم المناعنى الرئيس السابق لصندوق النقد العربي قد أكد – منذ سنوات مضت - أن مسألة " فك الإرتباط مع الدولار " مبررة ، إلا أن طبيعة اقتصادات دول المنطقة وتجربتها السابقة بالدولار قد لا تدعم احتمالية فك هذا الإرتباط  .. وعدد الرئيس السابق لصندوق النقد العربي الأسباب التى يرى أنها تجعل فك الإرتباط ندمسألة صعبة ألى وهى :

أولأ : أن دول المنطقة لا تتمتع بقاعدة إنتاجية وتصديرية متنوعة لكي تستفيد من أي انخفاض لأسعار صرف عملاتها والذي قد يترتب على فك الإرتباط بالدولار، منوهاً أن الصادرات الرئيسية للمنطقة تنحصر حتى الآن تقريباً في النفط والذي يسعر أصلاً بالدولار.


ثانياً : أن المنطقة تعتمد على الاستيراد في كل ما تحتاجه تقريباً من الخارج، وبالتالي فإن فك الارتباط مع الدولار من شأنه زيادة فاتورة الاستيراد، السبب الآخر هو أن رواتب ومدخرات المواطنين في أغلبها إن لم تكن جميعها بالعملة المحلية الأمر الذي من شأنه في حالة فك الارتباط أن يفقد هذه الأموال والمدخرات جزء مهماً من قوتها الشرائية سواء عند التعامل داخل البلد أو خارجه وهو أمر تحرص السلطات المعنية على تجنبه.


ثالثاً : وهو سبب آخر يجعل من فك الارتباط بالدولار أمر مستبعد هو التجربة السابقة لدول المنطقة والتي حقق الارتباط خلالها حالة من الاستقرار المالي والنقدي حيث تعززت من خلال هذا الارتباط الثقة في عدم توقع مفاجآت أو تقلبات غير مرغوبة في أسعار الصرف الأمر الذي طمأن المستثمرين والمودعين إلى القدرة على تحريك أموالهم واستثماراتهم إلى داخل وخارج المنطقة دون تخوف أو مخاطر محتملة من وراء تقلبات أسعار الصرف حيث بقية هذه الأسعار ثابتة تجاه الدولار ومستقرة طوال عقود طويلة من الزمن.

وأوضح الدكتور جاسم المناعنى الرئيس السابق لصندوق النقد العربي ، قائلاً أنه على صعيد آخر وبخصوص علاقة فك الارتباط بالدولار والمرونة في إدارة السياسة النقدية فإن هذا الموضوع وإن كان نظرياً صحيح إلا أنه من الناحية العملية ليس بالأمر السهل حيث أنه في حالة عدم تطور الأدوات والسياسات النقدية اللازمة إضافة إلى عدم توفر الكفاءات الإدارية المطلوبة فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى نتائج عكسية غير مرغوبة.

 فمن الناحية النظرية فإن توفر مرونة في إدارة السياسة النقدية بعيداً عن الارتباط بسعر صرف ثابت يمكن أن يكون مفيداً عند اختلاف وضع الدورات الاقتصادية لدول المنطقة مقارنة بمثيلتها في أمريكا بلد الدولار.

 لكن من الناحية العملية ووفقاً لتجارب كثير من دول العالم فإن سياسة أسعار الصرف المرنة لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج مضمونة خاصة في الاقتصاديات التي لم تبلغ بعد التطور المنشود والتي عادة ما تفتقد إلى سياسات وأدوات متقدمة ومتطورة إضافة إلى ضرورة توفر خبرات ومؤهلات عالية الكفاءة لضمان نجاح مثل هذه السياسات التي يمكن أن تكون محفوفة المخاطر. 

وقال الدكتور جاسم المناعنى الرئيس السابق لصندوق النقد العربي: أنه لكل هذه الإعتبارات نعتقد بأن فك دول المنطقة لارتباطها بالدولار يبدو في الوقت الراهن أمراً مستبعداً، لكن نعتقد أيضاً أن مثل هذه المعطيات قد تتغير وتتطور في المستقبل بشكل قد تستدعي إعادة النظر.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق